منذ اشهر والقيّمون على سفينة "مريم" يعلنون انهم يعدّون العدّة للانطلاق في مهمة شاقة وصعبة تقضي بكسر الحصار المفروض على قطاع غزة من قبل اسرائيل. وما ان تم الاعلان عن هذا الامر، حتى قامت الدنيا ولم تقعد ان في اسرائيل او في الغرب او حتى في لبنان.
وعاشت اسرائيل لحظات صعبة عندما ايقنت ان الوضع لن يكون سهلاً بالنسبة اليها خصوصاً وان ركاب السفينة سيكونون من الجنس الناعم فقط، اي ان اي ذريعة قد تفكر اسرائيل في استخدامها كسبب لاستعمال القوة او العنف للسيطرة على السفينة المحملة بالمواد الانسانية والغذائية ستلاقي رد فعل قوي وعنيف من الغرب قبل العرب، كما ان "حزب الله" سيحظى بدعم اقوى في الداخل والخارج لمواجهة الغطرسة الاسرائيلية والتكبر الذي تظهره بالتعرض بالقوة لمجموعة من النساء، كما ان جمعيات حقوق الانسان ستكون بالمرصاد في كل انحاء العالم.
ولكن اكثر ما كانت تخشاه اسرائيل هو القدرة المعنوية التي كان يمكن لهذه السفينة ان تحققها لو تمكنت من الوصول الى اهدافها، والقوات الاسرائيلية خاسرة في الحالتين فإذا ما تعرضت للسفينة ستخسر معنوياً امام الرأي العام العالمي كما ان الرأي العام العربي لن يحتمل مشهد التعرض لنساء عربيات من قبل جنود اسرائيليين خصوصاً في فترة الصوم خلال شهر رمضان، ولا يمكن منع السفينة من اكمال خط سيرها بغير هذه الطريقة.
اما اختيار الحل الثاني وترك الامور تأخذ مجراها، فسيحرجها على اكثر من صعيد، اذ ستكون محرجة امام تركيا لجهة السماح لسفينة انطلقت من دولة عدوة لاسرائيل بالوصول الى هدفها، فيما "اسطول الحرية" انطلق من دولة تقيم علاقات مع اسرائيل وتم اعتراضه وقتل 8 من الذين كانوا على متنه. كما ان الحكومة الاسرائيلية ستكون محرجة في الداخل الاسرائيلي نفسه حيث ستتنامى الاصوات المطالبة بترك الامور وشأنها بالنسبة الى قطاع غزة، وفك الحصار لانه لا يفيد وهي اصوات انطلقت بالفعل بشكل قوي مباشرة بعد حادثة "اسطول الحرية"، كما ان الاصوات التي ستعلو في الخارج وخصوصاً في تركيا ودول اخرى لن تكون صامتة بدورها.
وفيما لو تمكنت "مريم" من الوصول فعلاً الى هدفها، تكون اسرائيل قد تلقت ضربة معنوية من خلال تحقيق انجاز "لبناني" بفك الحصار وهو ما لا يمكن تحمله في الداخل الاسرائيلي، علماً ان المسألة ستبرز بعد اسابيع قليلة فقط على مواجهات العديسة التي وصلت اصداؤها الى مختلف دول العالم وتم بحثها على طاولة مجلس الامن الدولي تحديداً.
لذلك، وجدت اسرائيل نفسها امام معركة من نوع آخر، فجنّدت كل طاقاتها المعنوية والدبلوماسية وانطلقت في فرض حصار آخر على السفينة نفسها، فضغطت على قبرص التي اعلنت رفض السماح للسفينة من دخول مياهها الاقليمية، كما ضغطت اسرائيل على دول صديقة للبنان للطلب منه عرقلة المشروع برمّته لان الوضع الحالي دقيق وقد يهدد انطلاق المفاوضات المباشرة، وهو امر لن تسمح به الولايات المتحدة لانه يعتبر اول انجاز لها في ملف الشرق الاوسط منذ سنوات. ويقال ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو عرض قضية "مريم" خلال زيارته الى اليونان وطلب من المسؤولين هناك صد اي محاولة لوصول السفينة الى المياه الاقليمية اليونانية.
من هنا، يمكن فهم الحركة الاسرائيلية التي كانت اشبه بخلية نحل في الآونة الاخيرة، ونجح المسؤولون الاسرائيليون في تفادي اختبار صعب كانوا سيواجهونه وكان كفيلاً بتهديد وضعهم فيما لو تحقق.